RYAN ALSHIBANY

مدونة خاصة بالفن التشكيلي ومواضيعه

أرشيف لـفيفري, 2011

لم يكن فاروق حسني أقل ديكتاتورية من مبارك، مصر.. المجد للفن إيضا

ريان الشيباني

فاروق حسنى

فاروق حسنى

خدم فاروق حسني كثيراُ في السياسة،  ولما يقارب من ثلاثين  سنة وهو جاثم على صدور الأدباء والمثقفين بمصر، وما بقي في مسيرة هذا الرجل عندما مله الخاص والعام الثقافي: حرق ما يقارب من 50 مخرجاُ وفناناُ مسرحياُ في بني سويف، حرق دار الأوبرا المصرية، و تهديد بحرق الروايات الإسرائيلية في مكتبة الإسكندرية، وسرقة لوحة زهرة الخشخاش من متحف محمد محمود خليل في القاهرة، وطمس معالم القاهرة الفاطمية.

ومع هذا قيل أن الرجل يمتلك مرسماُ في منزله وبفعله يطلق عليه أنصاره “الوزير الفنان” كصيغة مداعبة.

المتأمل لما كان يرسمه فاروق حسني يستطيع أن يرى العلاقة الحقيقة بين زيف السياسي و رداءة الفنان في مثل هكذا حالة، ولذا يحاول التخفي بثوب التجريدية لخلق خطوط مكتنزة وسليبة التناغم، وقد يحالفه الحظ في خط من لون صاخب يقلب توقعاتنا عن رداءة ما يفعل، وبالتأكيد لن تمحو خطوطه الملونة عار سنوات قضاها في باريس متجسسا على زملائه الطلاب أثناء دراسته الجامعية هناك.

الوزير الفنان لم يستطيع أن يكبح رغبته في التزوير حتى مع نفسه و هو يستعرض جانب من سيرته الذاتية في موقعه الإلكترونية، حيث يقول بأنه فنان تشكيلي من طراز خاص، وعرضت أعماله في أهم متاحف ومعارض ومراكز فنون العالم دون الحاجة إلى إسماعنا -نحن الفضوليون- عن أي بقعة من العالم يتحدث.

أما النقاد الذين قدموه فأحدهم (الناقد العالمي المخضرم جيسبكا وينيجار)، وعند البحث في محرك جوجل عن هذا الناقد يعطينا عشر نتائج كلها تقترن باسم فاروق وحسني و سيرته الصلدة.

مثل فاروق حسني في مصر شكل من أشكال الديكتاتورية الثقافية والفنية كأقدم وزير احتفظ بحقيبته خلال تولي الرئيس حسني مبارك الحكم في مصر، وهذا ما جعله يجير كل معطيات الأدب والفن أيقونات للخلاص إلى عالم السياسة.

أقيل فاروق حسني قبل أيام بفعل الحركة الاحتجاجية بمصر، وبعد حوالي سنتين من احتفال المثقفين بسقوطه من ترشيحات رئاسة اليونسكو، وبقي الفن والفنانين المصرين و لم تختزلهم إرادة الاستلاب و الديكتاتورية.

ما جعلني أستذكر مثل هذا الكلام إيماني الكبير بأن هذا الرجل كان سببا حقيقيا في عملية التغييب المتعمد للمشهد التشكيلي المصري، وقراءة تاريخه، إلى درجة اختزال الفن و الفنانين بوزارته وتاريخه المليء بالحرائق.

عرف الموقف التشكيلي المصري بجماعة “الخيال” و التي أسسها الفنان محمود مختار عام 1928، و اختير لها مقراً بشارع الأنتيك خانة، و أستلهم الفنانون فيها تجارب الجماعات الفنية الأوروبية و ضمت هذه الجماعة بين صفوفها أجانب، و لكنها سعت بهذه الحركة إلى تثبيت شرعية حقيقية للفن المصري وما سموه بعد ذلك بالفن القومي، لكن الجماعة ألغيت بعد فترة ليست بالطويلة بسبب كثرة سفر المؤسسين وعدم إقامتهم في مصر.

عام 1928 عقد حبيب جورجي اجتماعا لمجموعة من المتخصصين الذين كانوا على وشك التخرج من مدرسة المعلمين و كون جماعة أسماها “الدعاية الفنية”، وكانت هذه المجموعة قد انتحت منحاُ طبيعيا بانحياز الفنانين لمشاهد الطبيعة وتجسديها بألوان مائية.

وفي عام 1933 عاد فنانون من مهجر الدراسة بأوروبا  وكونوا رابطة الفنانين المصريين ومنهم حسين محمد يوسف و أحمد عثمان، وبدأت هذه المدرسة فكرة المقاومة لأشكال المركزية الأوروبية بالفن وتأثيراتها على الفنانين المصريين و طالت هذه الحركة التعليم والصحافة، كما استهدفت النشاطات الاجتماعية الحيوية، مثل حماية البيئة ومصرنة الوظيفة العامة.

أما جماعة الأسايست او المحاولون و يحسب لجول ليفي والبرت ساليتل بتشكيلها ثم تولاها جبرائيل لمدة 5 سنوات، وتم تكوين الجماعة 1934 و أصدرت مجلة بالفرنسية أسمها “المجهود” و أغلقت الجماعة مع بداية الحرب العالمية الثانية.

من الفن المصري الحديث

من الفن المصري الحديث

في عام 1938 كانت الريادة لجماعة الفن الشعبي والتي أسسها الرائد حبيب جورجي و أعتمد هذا الفن على منظور مختلف يستمد قوته من التراث و الوصول إلى عشوائيات مناطق مصر لتخريج فنانين أطفال ونساء وبخامات طبيعية مثل الفخار والخزف، و كان لهذه المجموعة صداها العالمي مما حدا باليونسكو الاعتماد على حبيب جورجي لتعميم تجربته في مناطق بأوروبا، وتخرج على يد هذا الرائد فنانات قديرات مثل سيدة مساك و سميرة حسني، و كان قبل هذه الجماعة  وبالتحديد في عام 1937 قد قام مجموعة من الفنانين باستهداف الشخصية الأسلوبية لدى المتخصصين كتمهيد لجماعة الفن الشعبي وضمت هذه المجموعة أعمال فتحي البكري وعلي الديب، غير أن هذه المجموعة تفككت باكراُ بفعل انشطار الهويات الفنية والسماح بحرية التحرك داخل تباينات المشهد.

ثم تكونت بعد ذلك جماعات متعددة منها الفن والحرية وجماعة لاباليت والفن والحياة و الفن المصري المعاصر و صوت الفن والفن المصري الحديث والفنانين الخمسة والتجربيين والمحور.

وهي خلاصة ثرية لحراك تشكيلي لم يتوقف و أثرت هذه التجارب في المحيط العربي و تحركت بين صفوف التكوينات الإجتماعية المحلية والعالمية كما شكل الفن حالة مقاومة بإنزياحه بإتجاه تجاذبات المدارس لإثرائها و المحافظة على تنوعها.

موناليزا الشمال ذات القرط اللؤلؤي

ريان الشيباني

يحدث أن ترتبط الأعمال الفنية بأصحابها زمناً طويلاً، و يحدث أن تصبح هذه الأعمال أيقونات وقتية، وأحياناً مستدامة كالجرنيكا لبيكاسو، والتي تعتبر رائعة القرن العشرين، والموناليزا اللوحة، التي خلدت معها الفنان و الفلكي الكبير ليوناردو دافينشي.. و لكن بالمحصلة تبقى هذه الأعمال وليدة لحظاتها، أي أنها اشتهرت بمجرد الانتهاء من خلقها.

ما حصل مع “الفتاة ذات القرط اللؤلؤي” أو ما أطلق عليها النقاد “موناليزا الشمال” يبدو مختلفاً تماماً عن أيِّ عمل فني آخر، فاللوحة المجهولة التاريخ، والتي تم توقيعها برمز “IVMeer”  لا تزال تثير حفيظة الفنانين والنقاد، و حتى الكتاب الروائيين، فمن هو هذا الفنان الذي استطاع بهذه الرائعة أن يستميل شغف المهتمين، برغم غموضه وغموض “موناليزته” الساحرة.

ولد الفنان الهولندي جوهانس فيرمير في القرن الأوروبي السابع عشر، وتحديداًً عام 1632م في بلدة دلفت، و عرف هذا الفنان –الذي أعتبره مارسيل بروست في روايته البحث عن الزمن المفقود أعظم الرسامين على الإطلاق- بقلة منتوجه الفني، وطغيان الطابع الشخصي على أعماله، و يتأتى ذلك من اهتمامه الكبير بفن البوريتاريه، ونزوحه إلى الألوان ذات الطابع الحميمي و المضيء، (لم يشتهر فيرمير بشكل كبير إلا بعد أن اكتشف الناقد إتيان جوزيف تيوفيل توري أعماله سنة ،1866 و هو الذي كان ينتقد أعمال الفنانين الفرنسيين المركزة على الجانب الميثولوجي أوالديني فأعجب بها كثيراً ولقب فيرمير بسفينكس مدينة دلفت ). و تقدر أعمال هذا الفنان بـ45 عملاً وجدت منها فقط 34ُ.

تختصر “الفتاة ذات القرط اللؤلؤي” القدرة المذهلة لـ جوهانس فيرمير على التحكم باللحظة في الفن، وتختزل قدرته الكبيرة على سبر أغوار المناطق المضيئة والمعتمة في اللوحة، وكذلك اختيار الألوان الحميمية ، و الاستفادة من تقنيات البنفسجي في الإبهار، بالرغم من أن الكثير من  النقاد يعتبر هذه اللوحة غير مكتملة، أي أن الفنان لم ينته منها بعد.

ولدت “ الفتاة ذات القرط اللؤلؤي” بالمعنى الحقيقي في عام 1882 عندما تم عرضها بمزاد علني بمدينة لاهاي لحساب مجموعة دي تومب التي كانت مفتوحة للعامة، و كانت قد خضعت اللوحة من قبل للكثير من حالات الترميم، بعد أن استبدت بها ظروف الحفظ الرديئة، و لكن بالإجمال لا يزال الوجه المشرق يحتفظ بقدرته العجيبة على الإدهاش.

تقف فتاة في العشرينيات من عمرها أمام الفنان و بنظرات شاردة وعميقة يلتقط  لحظة من الإبهار اللامتوقع، وتحاول الشفتان باحمرارهما المندلق أن تنبسا بشيء ما، بفتور وشحوب يشيا بالكثير من الرقة والجمال.. كما تظهر الألوان المحايدة من خلال الخلفية التي رسمت عليها الفتاة، و يظهر اللونان البني المائل للصفرة المحايد أيضا في المعطف الذي ترتديه الفتاة، و الأبيض الذي يعمل على صنع مشهد التباين في ياقة المعطف.

كما ترتدي الفتاة عمامة زرقاء عليها شريط من اللون الليموني المسترسل.

و يظهر جلياً في اللوحة قرطان لؤلؤيان يلتمعان على خدها، و ينسدلان كدمعتين من اللؤلؤ الخالص.

إنه عمل فني مدهش وغريب في آن.


رواية ( الفتاة ذات القرط اللؤلؤي )

رواية ذات القرط اللؤلؤي

في عام 1999 ألهمت لوحة “الفتاة ذات القرط اللؤلؤي” الروائية والكاتبة الإنجليزية تريسي شيفالييه لكتابة روايتها التاريخية و بنفس اسم اللوحة.

تدور أحداث الرواية في القرن الأوروبي الكلاسيكي، وحول فتاة اسمها غريت، والتي أصبحت بين أنياب الفقر بعد عمى رب الأسرة، و من ثم اضطرت غريت للعمل لدى عائلة أرستقراطية، و أعجبت الفتاة بالفنان النبيل، الذي يمثل عمود هذه العائلة.

تنعطف الرواية منعطفاً خطيراً بالمشاكل العائلية التي تحدثها الزائرة الجديدة للعائلة، و تكتمل بالمشهد المتخيل للفتاة، وهي جالسة أمام الفنان، و قد سرق لها أقراط زوجته اللؤلؤية، التي ما إن رأت اللوحة حتى جُنَّ جنونها.. تقول شيفالييه: إن التعبير الغامض لوجه الفتاة أوحى لها بالعديد من الحالات والاحتمالات، وبصلة أعمق بين الرسام وصاحبة الصورة، وحينما لم تجد في التاريخ أيَّ مرجع، أو ذكر لصاحبة الصورة، كان عليها كتابة تاريخ وقصة الفتاة، ذات الوجه الغامض

الجدير بالذكر أن المخرج البريطاني “بيتر ويبر” جسد هذه الرواية بفيلم في عام 2003  كما فاز بالعديد من الجوائز العالمية.


إعدادات الكتابة ‹ RYAN ALSHIBANY — WordPress

إعدادات الكتابة ‹ RYAN ALSHIBANY — WordPress.