RYAN ALSHIBANY

مدونة خاصة بالفن التشكيلي ومواضيعه

موناليزا الشمال ذات القرط اللؤلؤي

ريان الشيباني

يحدث أن ترتبط الأعمال الفنية بأصحابها زمناً طويلاً، و يحدث أن تصبح هذه الأعمال أيقونات وقتية، وأحياناً مستدامة كالجرنيكا لبيكاسو، والتي تعتبر رائعة القرن العشرين، والموناليزا اللوحة، التي خلدت معها الفنان و الفلكي الكبير ليوناردو دافينشي.. و لكن بالمحصلة تبقى هذه الأعمال وليدة لحظاتها، أي أنها اشتهرت بمجرد الانتهاء من خلقها.

ما حصل مع “الفتاة ذات القرط اللؤلؤي” أو ما أطلق عليها النقاد “موناليزا الشمال” يبدو مختلفاً تماماً عن أيِّ عمل فني آخر، فاللوحة المجهولة التاريخ، والتي تم توقيعها برمز “IVMeer”  لا تزال تثير حفيظة الفنانين والنقاد، و حتى الكتاب الروائيين، فمن هو هذا الفنان الذي استطاع بهذه الرائعة أن يستميل شغف المهتمين، برغم غموضه وغموض “موناليزته” الساحرة.

ولد الفنان الهولندي جوهانس فيرمير في القرن الأوروبي السابع عشر، وتحديداًً عام 1632م في بلدة دلفت، و عرف هذا الفنان –الذي أعتبره مارسيل بروست في روايته البحث عن الزمن المفقود أعظم الرسامين على الإطلاق- بقلة منتوجه الفني، وطغيان الطابع الشخصي على أعماله، و يتأتى ذلك من اهتمامه الكبير بفن البوريتاريه، ونزوحه إلى الألوان ذات الطابع الحميمي و المضيء، (لم يشتهر فيرمير بشكل كبير إلا بعد أن اكتشف الناقد إتيان جوزيف تيوفيل توري أعماله سنة ،1866 و هو الذي كان ينتقد أعمال الفنانين الفرنسيين المركزة على الجانب الميثولوجي أوالديني فأعجب بها كثيراً ولقب فيرمير بسفينكس مدينة دلفت ). و تقدر أعمال هذا الفنان بـ45 عملاً وجدت منها فقط 34ُ.

تختصر “الفتاة ذات القرط اللؤلؤي” القدرة المذهلة لـ جوهانس فيرمير على التحكم باللحظة في الفن، وتختزل قدرته الكبيرة على سبر أغوار المناطق المضيئة والمعتمة في اللوحة، وكذلك اختيار الألوان الحميمية ، و الاستفادة من تقنيات البنفسجي في الإبهار، بالرغم من أن الكثير من  النقاد يعتبر هذه اللوحة غير مكتملة، أي أن الفنان لم ينته منها بعد.

ولدت “ الفتاة ذات القرط اللؤلؤي” بالمعنى الحقيقي في عام 1882 عندما تم عرضها بمزاد علني بمدينة لاهاي لحساب مجموعة دي تومب التي كانت مفتوحة للعامة، و كانت قد خضعت اللوحة من قبل للكثير من حالات الترميم، بعد أن استبدت بها ظروف الحفظ الرديئة، و لكن بالإجمال لا يزال الوجه المشرق يحتفظ بقدرته العجيبة على الإدهاش.

تقف فتاة في العشرينيات من عمرها أمام الفنان و بنظرات شاردة وعميقة يلتقط  لحظة من الإبهار اللامتوقع، وتحاول الشفتان باحمرارهما المندلق أن تنبسا بشيء ما، بفتور وشحوب يشيا بالكثير من الرقة والجمال.. كما تظهر الألوان المحايدة من خلال الخلفية التي رسمت عليها الفتاة، و يظهر اللونان البني المائل للصفرة المحايد أيضا في المعطف الذي ترتديه الفتاة، و الأبيض الذي يعمل على صنع مشهد التباين في ياقة المعطف.

كما ترتدي الفتاة عمامة زرقاء عليها شريط من اللون الليموني المسترسل.

و يظهر جلياً في اللوحة قرطان لؤلؤيان يلتمعان على خدها، و ينسدلان كدمعتين من اللؤلؤ الخالص.

إنه عمل فني مدهش وغريب في آن.


رواية ( الفتاة ذات القرط اللؤلؤي )

رواية ذات القرط اللؤلؤي

في عام 1999 ألهمت لوحة “الفتاة ذات القرط اللؤلؤي” الروائية والكاتبة الإنجليزية تريسي شيفالييه لكتابة روايتها التاريخية و بنفس اسم اللوحة.

تدور أحداث الرواية في القرن الأوروبي الكلاسيكي، وحول فتاة اسمها غريت، والتي أصبحت بين أنياب الفقر بعد عمى رب الأسرة، و من ثم اضطرت غريت للعمل لدى عائلة أرستقراطية، و أعجبت الفتاة بالفنان النبيل، الذي يمثل عمود هذه العائلة.

تنعطف الرواية منعطفاً خطيراً بالمشاكل العائلية التي تحدثها الزائرة الجديدة للعائلة، و تكتمل بالمشهد المتخيل للفتاة، وهي جالسة أمام الفنان، و قد سرق لها أقراط زوجته اللؤلؤية، التي ما إن رأت اللوحة حتى جُنَّ جنونها.. تقول شيفالييه: إن التعبير الغامض لوجه الفتاة أوحى لها بالعديد من الحالات والاحتمالات، وبصلة أعمق بين الرسام وصاحبة الصورة، وحينما لم تجد في التاريخ أيَّ مرجع، أو ذكر لصاحبة الصورة، كان عليها كتابة تاريخ وقصة الفتاة، ذات الوجه الغامض

الجدير بالذكر أن المخرج البريطاني “بيتر ويبر” جسد هذه الرواية بفيلم في عام 2003  كما فاز بالعديد من الجوائز العالمية.


No comments yet»

أضف تعليق