RYAN ALSHIBANY

مدونة خاصة بالفن التشكيلي ومواضيعه

أرشيف لـUncategorized

لم يكن فاروق حسني أقل ديكتاتورية من مبارك، مصر.. المجد للفن إيضا

ريان الشيباني

فاروق حسنى

فاروق حسنى

خدم فاروق حسني كثيراُ في السياسة،  ولما يقارب من ثلاثين  سنة وهو جاثم على صدور الأدباء والمثقفين بمصر، وما بقي في مسيرة هذا الرجل عندما مله الخاص والعام الثقافي: حرق ما يقارب من 50 مخرجاُ وفناناُ مسرحياُ في بني سويف، حرق دار الأوبرا المصرية، و تهديد بحرق الروايات الإسرائيلية في مكتبة الإسكندرية، وسرقة لوحة زهرة الخشخاش من متحف محمد محمود خليل في القاهرة، وطمس معالم القاهرة الفاطمية.

ومع هذا قيل أن الرجل يمتلك مرسماُ في منزله وبفعله يطلق عليه أنصاره “الوزير الفنان” كصيغة مداعبة.

المتأمل لما كان يرسمه فاروق حسني يستطيع أن يرى العلاقة الحقيقة بين زيف السياسي و رداءة الفنان في مثل هكذا حالة، ولذا يحاول التخفي بثوب التجريدية لخلق خطوط مكتنزة وسليبة التناغم، وقد يحالفه الحظ في خط من لون صاخب يقلب توقعاتنا عن رداءة ما يفعل، وبالتأكيد لن تمحو خطوطه الملونة عار سنوات قضاها في باريس متجسسا على زملائه الطلاب أثناء دراسته الجامعية هناك.

الوزير الفنان لم يستطيع أن يكبح رغبته في التزوير حتى مع نفسه و هو يستعرض جانب من سيرته الذاتية في موقعه الإلكترونية، حيث يقول بأنه فنان تشكيلي من طراز خاص، وعرضت أعماله في أهم متاحف ومعارض ومراكز فنون العالم دون الحاجة إلى إسماعنا -نحن الفضوليون- عن أي بقعة من العالم يتحدث.

أما النقاد الذين قدموه فأحدهم (الناقد العالمي المخضرم جيسبكا وينيجار)، وعند البحث في محرك جوجل عن هذا الناقد يعطينا عشر نتائج كلها تقترن باسم فاروق وحسني و سيرته الصلدة.

مثل فاروق حسني في مصر شكل من أشكال الديكتاتورية الثقافية والفنية كأقدم وزير احتفظ بحقيبته خلال تولي الرئيس حسني مبارك الحكم في مصر، وهذا ما جعله يجير كل معطيات الأدب والفن أيقونات للخلاص إلى عالم السياسة.

أقيل فاروق حسني قبل أيام بفعل الحركة الاحتجاجية بمصر، وبعد حوالي سنتين من احتفال المثقفين بسقوطه من ترشيحات رئاسة اليونسكو، وبقي الفن والفنانين المصرين و لم تختزلهم إرادة الاستلاب و الديكتاتورية.

ما جعلني أستذكر مثل هذا الكلام إيماني الكبير بأن هذا الرجل كان سببا حقيقيا في عملية التغييب المتعمد للمشهد التشكيلي المصري، وقراءة تاريخه، إلى درجة اختزال الفن و الفنانين بوزارته وتاريخه المليء بالحرائق.

عرف الموقف التشكيلي المصري بجماعة “الخيال” و التي أسسها الفنان محمود مختار عام 1928، و اختير لها مقراً بشارع الأنتيك خانة، و أستلهم الفنانون فيها تجارب الجماعات الفنية الأوروبية و ضمت هذه الجماعة بين صفوفها أجانب، و لكنها سعت بهذه الحركة إلى تثبيت شرعية حقيقية للفن المصري وما سموه بعد ذلك بالفن القومي، لكن الجماعة ألغيت بعد فترة ليست بالطويلة بسبب كثرة سفر المؤسسين وعدم إقامتهم في مصر.

عام 1928 عقد حبيب جورجي اجتماعا لمجموعة من المتخصصين الذين كانوا على وشك التخرج من مدرسة المعلمين و كون جماعة أسماها “الدعاية الفنية”، وكانت هذه المجموعة قد انتحت منحاُ طبيعيا بانحياز الفنانين لمشاهد الطبيعة وتجسديها بألوان مائية.

وفي عام 1933 عاد فنانون من مهجر الدراسة بأوروبا  وكونوا رابطة الفنانين المصريين ومنهم حسين محمد يوسف و أحمد عثمان، وبدأت هذه المدرسة فكرة المقاومة لأشكال المركزية الأوروبية بالفن وتأثيراتها على الفنانين المصريين و طالت هذه الحركة التعليم والصحافة، كما استهدفت النشاطات الاجتماعية الحيوية، مثل حماية البيئة ومصرنة الوظيفة العامة.

أما جماعة الأسايست او المحاولون و يحسب لجول ليفي والبرت ساليتل بتشكيلها ثم تولاها جبرائيل لمدة 5 سنوات، وتم تكوين الجماعة 1934 و أصدرت مجلة بالفرنسية أسمها “المجهود” و أغلقت الجماعة مع بداية الحرب العالمية الثانية.

من الفن المصري الحديث

من الفن المصري الحديث

في عام 1938 كانت الريادة لجماعة الفن الشعبي والتي أسسها الرائد حبيب جورجي و أعتمد هذا الفن على منظور مختلف يستمد قوته من التراث و الوصول إلى عشوائيات مناطق مصر لتخريج فنانين أطفال ونساء وبخامات طبيعية مثل الفخار والخزف، و كان لهذه المجموعة صداها العالمي مما حدا باليونسكو الاعتماد على حبيب جورجي لتعميم تجربته في مناطق بأوروبا، وتخرج على يد هذا الرائد فنانات قديرات مثل سيدة مساك و سميرة حسني، و كان قبل هذه الجماعة  وبالتحديد في عام 1937 قد قام مجموعة من الفنانين باستهداف الشخصية الأسلوبية لدى المتخصصين كتمهيد لجماعة الفن الشعبي وضمت هذه المجموعة أعمال فتحي البكري وعلي الديب، غير أن هذه المجموعة تفككت باكراُ بفعل انشطار الهويات الفنية والسماح بحرية التحرك داخل تباينات المشهد.

ثم تكونت بعد ذلك جماعات متعددة منها الفن والحرية وجماعة لاباليت والفن والحياة و الفن المصري المعاصر و صوت الفن والفن المصري الحديث والفنانين الخمسة والتجربيين والمحور.

وهي خلاصة ثرية لحراك تشكيلي لم يتوقف و أثرت هذه التجارب في المحيط العربي و تحركت بين صفوف التكوينات الإجتماعية المحلية والعالمية كما شكل الفن حالة مقاومة بإنزياحه بإتجاه تجاذبات المدارس لإثرائها و المحافظة على تنوعها.

موناليزا الشمال ذات القرط اللؤلؤي

ريان الشيباني

يحدث أن ترتبط الأعمال الفنية بأصحابها زمناً طويلاً، و يحدث أن تصبح هذه الأعمال أيقونات وقتية، وأحياناً مستدامة كالجرنيكا لبيكاسو، والتي تعتبر رائعة القرن العشرين، والموناليزا اللوحة، التي خلدت معها الفنان و الفلكي الكبير ليوناردو دافينشي.. و لكن بالمحصلة تبقى هذه الأعمال وليدة لحظاتها، أي أنها اشتهرت بمجرد الانتهاء من خلقها.

ما حصل مع “الفتاة ذات القرط اللؤلؤي” أو ما أطلق عليها النقاد “موناليزا الشمال” يبدو مختلفاً تماماً عن أيِّ عمل فني آخر، فاللوحة المجهولة التاريخ، والتي تم توقيعها برمز “IVMeer”  لا تزال تثير حفيظة الفنانين والنقاد، و حتى الكتاب الروائيين، فمن هو هذا الفنان الذي استطاع بهذه الرائعة أن يستميل شغف المهتمين، برغم غموضه وغموض “موناليزته” الساحرة.

ولد الفنان الهولندي جوهانس فيرمير في القرن الأوروبي السابع عشر، وتحديداًً عام 1632م في بلدة دلفت، و عرف هذا الفنان –الذي أعتبره مارسيل بروست في روايته البحث عن الزمن المفقود أعظم الرسامين على الإطلاق- بقلة منتوجه الفني، وطغيان الطابع الشخصي على أعماله، و يتأتى ذلك من اهتمامه الكبير بفن البوريتاريه، ونزوحه إلى الألوان ذات الطابع الحميمي و المضيء، (لم يشتهر فيرمير بشكل كبير إلا بعد أن اكتشف الناقد إتيان جوزيف تيوفيل توري أعماله سنة ،1866 و هو الذي كان ينتقد أعمال الفنانين الفرنسيين المركزة على الجانب الميثولوجي أوالديني فأعجب بها كثيراً ولقب فيرمير بسفينكس مدينة دلفت ). و تقدر أعمال هذا الفنان بـ45 عملاً وجدت منها فقط 34ُ.

تختصر “الفتاة ذات القرط اللؤلؤي” القدرة المذهلة لـ جوهانس فيرمير على التحكم باللحظة في الفن، وتختزل قدرته الكبيرة على سبر أغوار المناطق المضيئة والمعتمة في اللوحة، وكذلك اختيار الألوان الحميمية ، و الاستفادة من تقنيات البنفسجي في الإبهار، بالرغم من أن الكثير من  النقاد يعتبر هذه اللوحة غير مكتملة، أي أن الفنان لم ينته منها بعد.

ولدت “ الفتاة ذات القرط اللؤلؤي” بالمعنى الحقيقي في عام 1882 عندما تم عرضها بمزاد علني بمدينة لاهاي لحساب مجموعة دي تومب التي كانت مفتوحة للعامة، و كانت قد خضعت اللوحة من قبل للكثير من حالات الترميم، بعد أن استبدت بها ظروف الحفظ الرديئة، و لكن بالإجمال لا يزال الوجه المشرق يحتفظ بقدرته العجيبة على الإدهاش.

تقف فتاة في العشرينيات من عمرها أمام الفنان و بنظرات شاردة وعميقة يلتقط  لحظة من الإبهار اللامتوقع، وتحاول الشفتان باحمرارهما المندلق أن تنبسا بشيء ما، بفتور وشحوب يشيا بالكثير من الرقة والجمال.. كما تظهر الألوان المحايدة من خلال الخلفية التي رسمت عليها الفتاة، و يظهر اللونان البني المائل للصفرة المحايد أيضا في المعطف الذي ترتديه الفتاة، و الأبيض الذي يعمل على صنع مشهد التباين في ياقة المعطف.

كما ترتدي الفتاة عمامة زرقاء عليها شريط من اللون الليموني المسترسل.

و يظهر جلياً في اللوحة قرطان لؤلؤيان يلتمعان على خدها، و ينسدلان كدمعتين من اللؤلؤ الخالص.

إنه عمل فني مدهش وغريب في آن.


رواية ( الفتاة ذات القرط اللؤلؤي )

رواية ذات القرط اللؤلؤي

في عام 1999 ألهمت لوحة “الفتاة ذات القرط اللؤلؤي” الروائية والكاتبة الإنجليزية تريسي شيفالييه لكتابة روايتها التاريخية و بنفس اسم اللوحة.

تدور أحداث الرواية في القرن الأوروبي الكلاسيكي، وحول فتاة اسمها غريت، والتي أصبحت بين أنياب الفقر بعد عمى رب الأسرة، و من ثم اضطرت غريت للعمل لدى عائلة أرستقراطية، و أعجبت الفتاة بالفنان النبيل، الذي يمثل عمود هذه العائلة.

تنعطف الرواية منعطفاً خطيراً بالمشاكل العائلية التي تحدثها الزائرة الجديدة للعائلة، و تكتمل بالمشهد المتخيل للفتاة، وهي جالسة أمام الفنان، و قد سرق لها أقراط زوجته اللؤلؤية، التي ما إن رأت اللوحة حتى جُنَّ جنونها.. تقول شيفالييه: إن التعبير الغامض لوجه الفتاة أوحى لها بالعديد من الحالات والاحتمالات، وبصلة أعمق بين الرسام وصاحبة الصورة، وحينما لم تجد في التاريخ أيَّ مرجع، أو ذكر لصاحبة الصورة، كان عليها كتابة تاريخ وقصة الفتاة، ذات الوجه الغامض

الجدير بالذكر أن المخرج البريطاني “بيتر ويبر” جسد هذه الرواية بفيلم في عام 2003  كما فاز بالعديد من الجوائز العالمية.


في مفاهيمية الفن

ريان الشيباني

كانت في البداية قصة حب بين أعزب وعروس، و خصص جزأين من زجاج ملون ليمثل قسم منه للعروس والقسم الآخر للأعزب، مع حركة درامية لآلات و أدوات أخرى، هي كلها قصة مثيرة لعالم طويل أصبح يعرف فيما بعد بالفن المفاهيمي بهذا التأسيس الذي ابتدأه الفنان العالمي مارسيل ديوشان، و أنتهى معه عصر ما يسمى بالمنظور الكلاسيكي و لو كانت هذه الفكرة على حساب فلسفة الجمال التي ظلت على مدى قرنين تشغل الفنانين والمهتمين بـ (الإستطيقا) كهدف مركزي للأعمال المنظوية تحت هذا التصنيف.

و لهذا نستطيع القول بأن الأعمال الفنية بعد عصر مارسيل ديوشان هي أعمال تتسم بطبيعة مفاهيمية، أو على الأقل توجد وجهة نظر-ولو فردية- مثلها جوزيف كوزوث، و ليس باستطاعة النقاد القول بغير ذلك على اعتبار أن هذا الفن مدين بالكثير من أعماله لهذا الرائد من خلال ما “يسمى بغرفة المعلومات” كأول عمل فني مفاهيمي.

أما من وجهة نظر أخرى فيبدوا الفن المفاهيمي مجرد فكرة، أو هو يتسلق على هذه الفكرة أو تلك مستفيداً من الطاقات العلمية التي تولدت بأفعال الثورة الصناعية و صناعة التكنولوجيا، وواضح أن الفن المفاهيمي يعيد إلى الأذهان برجماتية الفن بالرغم من طابعه الخارج عن النسق المورفولوجي أو القائم على معاداة الشكل فيما يبدو من الوهلة الأولى، و هو حالة من الصراع الداخلي حالة من الوعي الفكري لتدارك الأحداث وتحقيق الاستقرار الذهني، وكذلك حالة رفض للعبودية و للتجارة الفنية بحسب الفنان العربي حسن الشريف. و لذا يؤكد الفنان “برنار ونت” على معلوماتية هذا الفن من خلال إدماجه لكتب بحوث علمية وفلسفية في معارضه، وكان قد قدم عدة دعوات للاستفادة من علماء الرياضيات و الفيزياء و كذلك علماء اللغة لتقديم ما لديهم من محاضرات و صنفها على أنها أعمال فنية مفاهيمية.

يعزو بعض النقاد هذا المصطلح إلى بدايات القرن العشرين مع ظهور حركة ما يسمى بالفنون البصرية، و يذهب البعض بهذا الفن إلى نهاية الستينات و ظهور حركة الدادائية الجديدة في أوروبا و أمريكا، و بالمناسبة يتم في هذا القول الخلط بين فكرة الدادائية و تعديلاتها في القرن الحديث و بين النظرة العبثية التي قد يرون عليها قيام الفن المفاهيمي ويتم إغفال مصطلح فكرة القائم على مفهوم (الإستفادة) المطلق و المستبعد أحيانا في تنظيرات مؤسسي الفن الدادائي، ولا أستغرب تبريرات  المدافعون عن فكرة التزاوج بين الفن المفاهيمي و الدادائية حينما يستشهدون بما قاله جون كيج و بالمناسبة فإن كيج لم يكن فناناً و إنما موسيقياً أستلهم خطاه من ديوشان حينما قال: إذا أردنا أن نفهم الموسيقى وهذا مستحيل.. فعلينا أن نفهم أعمال مارسيل ديوشان وهذا أيضاً “مستحيل”.

إن الفن المفاهيمي يقوم بالأساس على فكرة (الوسيط) أو (الوسائط) و إدماجها للنأي بالعقل عن التفكير بمسائل المنظور فقط والرؤية لتحل بدلاً منهما الفكرة وفلسفتها لخلق إنطباع أكثر عمقاً في هذا الفن، كما يخلق من الفن أداة طيعة تكسر إحتكار الفن في فئة الحرفيين أو المهتمين بالفن فقط، و لهذا يكون لكل شخص في هذه الحياة فنه انطلاقا من الفكرة التي تصنع له تحفته مع الاحتفاظ بالإيمان بفنية الشيء المراد تجسيدها، “و الفنان لا يحاول أن يعيد تمثيل وضع ما، إنما يحاول أن يبني حقيقة صورية”.

في الوطن العربي فتح جاليري الشارقة النهم العربي للفن المفاهيمي من خلال إستضافته في دورة سابقة لهذا الفن، و أتهم القائمون بمحاباتهم لنماذج غربية لا تزال جديدة بمستواها على متلق عربي، و مع هذا فلا تنكر الساحة الفنية وجود فنانين عرب ينتمون لهذا النموذج، من خلال تجارب عدة منها تجربة الفنانة التشكيلية اليمنية آمنة النصيري، و يأتي معرض الفنانة كامتداد لتجربة أخرى معاصرة أقامها الفنان التشكيلي البحريني أنس الشيخ، والذي أحتضن معرضه “مزيداً من العتمة مزيداً من الضوء” شاشات عرض تلفزيونية، ومجسمات أخرى.

معرض الفنانة آمنة النصيري “حصارات” و من خلال الإستعراض الذي قدمه موقع (عناوين ثقافية) تضمن عملاً واحداً يستخدم تقنية الفيديو آرت قامت بأدائه مي النصيري، وكشفت المادة الفيلمية عن موهبة مي في التمثيل والتعبير عبر حركة الجسد فقط عن الفكرة التي أراد الفيلم (والمعرض) أن يوصلها، كان من الصعوبة تمييز ماهية الكائن الذي يظهر في الفيلم وهو يصارع ويتلوى حد الشعور بأنه يختنق أو يلفظ انفاسه مئات المرات بداخل كيس أسود من القماش غير محدد بمساحات او زوايا قابلة للتمزق لوضع حد للـ “حصارات”، ومن ثم ينبعث الكائن ببطء فتظهر لنا ملامح هلامية لفتاة لا تزال مكسوة بالسواد وتلتصق بمقدمة رأسها عين واحدة.

و أمام مجتمع كهذا يبقى الإيمان بالفكرة لدى الفنانة سببا للنجاح، و محاولة فريدة لإستقصاء كوامن لم يتم النفاد إليها بعد، خاصة وأن الفن المفاهيمي يتزاوج كاثيولوكيا مع الفكرة التي قل ما ننظر إليها بعمق.

 

أنني أتعفن مللاً لولا ريشتي وألواني هذه

فان جوخ الحقيقي: الفنان ورسائله

ريان الشيباني

فنسان فانجوج

في30 مارس يحتفل العالم بالذكرى السابعة والخمسين بعد المائة لميلاد الفنان الهولندي العالمي فنسان فان جوخ، و تأتي هذه الذكرى بعد أن تكشف الكثير من تاريخ هذا الفنان عبر رسائله التي كان يبعثها إلى عائلته و أكثرها إلى  أخوه ثيو، و لا تقرأ رسائل فنسان فان جوخ التي تم الإفصاح عنها مؤخراً بمعزل عن حياته الفنية، فالنقاد الذين يرون في كلمات هذا الفنان تلوين حياتي جديد لا يفتئون أن يضعوا مقاربة بين فترات حياته النصية واللونية، و ربما قادت الكثير من الرسائل التي كتبها إلى معرفة التاريخ الفني لفنسان بشكل أعمق، و لأن رسائله بالأساس حالة توصيف نصي للكثير من أعماله الفنية:

كان بودي رسم بورتريه لصديق فنان، أشقر الشعر، رجل ذو أحلام كبيرة، يعمل مثلما يغني العندليب.. أردت نقل إعجابي به إلى اللوحة، لذا رسمته كما هو، على أعلي درجة من الصدق. للبدء بالرسم: اللوحة لم تكتمل بعد، سألوّنها بشكل عشوائي. بالغت في شقرة الشعر للحصول على درجات عديدة من اللون البرتقالي، والكروم، والأصفر الليموني الشاحب، بالنسبة إلى خلفية اللوحة، بدلا من طلي الجدران بلون الغرفة العادي، سأستخدم اللون الأزرق العميق تعبيرا عن الأزلية. بهذه الطريقة البسيطة، سيخلق الرأس المتألق على الخلفية الزرقاء تأثيراً غامضاً، مثل نجمة في السماء اللازوردية.

الفنان الذي أراد لنفسه أن يكون واعظاً أهدى لإحدى مومساته أذنه بعد بترها، وفي الأخير لم يستطع التغلب على كوابيسه، إنه بين مخالب الوحدة والتمزق والإدمان، وحيدا،  وما وصل إلينا يسهل علينا اعتباره تحفة أخرى مــن نتــاج عقــل يشتهــر بفوضويتــه حسب تعبير ويليام أندرهيل الكاتب بنيوزويك:

أنا أغبط اليابانيين على الوضوح الشديد الذي يتحلى به عملهم، إذ أنه ليس مملاً، ولا يبدو كأنه أنجز على عجل. عملهم بسيط كالتنفس، يرسمون مختلف الأشكال بعدة ضربات فرشاة واثقة، وبنفس السهولة التي تغلق بها أزار معطفك.

صاحب كتاب رسام في سطور يرى بأن رسائل فان جوخ تجعلنا نتلمس مدى اقترابه من الواقع إلى النقطة التي لم يصلها رسام قبله، والتي أتاحت له أن يمس ذلك السحر والبهاء المخفي عن عالمنا وكان عليه في نهاية المطاف أن يدفع ثمن تلك الهبة النادرة، ولهذا (الموت ليس أسوء ما يمكن أن يواجهه فنان بحجم فنسان):

أنا دائماّ ممتلىء بالندم، إلى حد كبير، عندما أفكر في عملي لأنه لم يكن مماثلاً لما كنت أحب انجازه، آمل على المدى البعيد أن أنجز أشياء أفضل

عزيزي ثيو:

إلى أين تمضي الحياة بي؟ ما الذي يصنعه العقل بنا؟ أنه يفقد الأشياء بهجتها ويقودنا نحو الكآبة…

أنني أتعفن مللاً لولا ريشتي وألواني هذه، أعيد بها خلق الأشياء من جديد.. كل الأشياء تغدو باردة وباهتة بعدما يطؤها الزمن.. ماذا أصنع؟ أريد أن أبتكر خطوطاً وألواناً جديدة، غير تلك التي يتعثر بصرنا بها كل يوم.

كل الألوان القديمة لها بريق حزين في قلبي. هل هي كذلك في الطبيعة أم أن عيني مريضتان؟ ها أنا أعيد رسمها كما أقدح النار الكامنة فيها.

في قلب المأساة ثمة خطوط من البهجة أريد لألواني أن تظهرها، في حقول “الغربان” وسنابل القمح بأعناقها الملوية. وحتى “حذاء الفلاح” الذي يرشح بؤساً ثمة فرح ما أريد أن أقبض عليه بواسطة اللون والحركة… للأشياء القبيحة خصوصية فنية قد لا نجدها في الأشياء الجميلة وعين الفنان لا تخطئ ذلك.

اليوم رسمت صورتي الشخصية، ففي كل صباح، عندما أنظر إلى المرآة أقول لنفسي:

أيها الوجه المكرر، يا وجه فانسان القبيح، لماذا لا تتجدد؟

أبصق في المرآة وأخرج …

واليوم قمت بتشكيل وجهي من جديد، لا كما أرادته الطبيعة، بل كما أريده أن يكون:

عينان ذئبيتان بلا قرار. وجه أخضر ولحية كألسنة النار. كانت الأذن في اللوحة ناشزة لا حاجة بي إليها. أمسكت الريشة، أقصد موس الحلاقة وأزلتها.. يظهر أن الأمر اختلط علي، بين رأسي خارج اللوحة وداخلها… حسناً ماذا سأفعل بتلك الكتلة اللحمية؟

أرسلتها إلى المرأة التي لم تعرف قيمتي وظننت أني أحبها.. لا بأس فلتجتمع الزوائد مع بعضها.. إليك أذني أيتها المرأة الثرثارة، تحدثي إليها… الآن أستطيع أن أسمع وأرى بأصابعي. بل أن إصبعي السادس “الريشة” لتستطيع أكثر من ذلك: إنها ترقص وتب وتداعب بشرة اللوحة…

أجلس متأملاً :

لقد شاخ العالم وكثرت تجاعيده وبدأ وجه اللوحة يسترخي أكثر… آه يا إلهي ماذا باستطاعتي أن أفعل قبل أن يهبط الليل فوق برج الروح؟الفرشاة. الألوان. و… بسرعة أتداركه: ضربات مستقيمة وقصيرة. حادة ورشيقة..ألواني واضحة وبدائية. أصفر أزرق أحمر.. أريد أن أعيد الأشياء إلى عفويتها كما لو أن العالم قد خرج تواً من بيضته الكونية الأولى.

مازلت أذكر:

كان الوقت غسقاً أو ما بعد الغسق وقبل الفجر. اللون الليلكي يبلل خط الأفق… آه من رعشة الليلكي. عندما كنا نخرج إلى البستان لنسرق التوت البري. كنت مستقراً في جوف الشجرة أراقب دودة خضراء وصفراء بينما “أورسولا” الأكثر شقاوة تقفز بابتهاج بين الأغصان وفجأة اختل توازنها وهوت. ارتعش صدري قبل أن تتعلق بعنقي مستنجدة. ضممتها إلي وهي تتنفس مثل ظبي مذعور… ولما تناءت عني كانت حبة توت قد تركت رحيقها الليلكي على بياض قميصي.. منذ ذلك اليوم، عندما كنت في الثانية عشرة وأنا أحس رحيقها الليلكي على بياض قميصي.. منذ ذلك اليوم، عندما كنت في الثانية عشرة وأنا أحس بأن سعادة ستغمرني لو أن ثقباً ليلكياً انفتح في صدري ليتدفق البياض… يا لرعشة الليلكي …

الفكرة تلح علي كثيراً فهل أستطيع ألا أفعل؟ كامن في زهرة عباد الشمس، أيها اللون الأصفر يا أنا. أمتص من شعاع هذا الكوكب البهيج. أحدق وأحدق في عين الشمس حيث روح الكون حتى تحرقني عيناي.

شيئان يحركان روحي: التحديق بالشمس، وفي الموت.. أريد أن أسافر في النجوم وهذا البائس جسدي يعيقني! متى سنمضي، نحن أبناء الأرض، حاملين مناديلنا المدماة ..

– ولكن إلى أين؟

– إلى الحلم طبعاً.

أمس رسمت زهوراً بلون الطين بعدما زرعت نفسي في التراب، وكانت السنابل خضراء وصفراء تنمو على مساحة رأسي وغربان الذاكرة تطير بلا هواء. سنابل قمح وغربان. غربان وقمح… الغربان تنقر في دماغي. غاق… غاق.. كل شيء حلم. هباء أحلام، وريشة التراب تخدعنا في كل حين.. قريباً سأعيد أمانة التراب، وأطلق العصفور من صدري نحو بلاد الشمس.. آه أيتها السنونو سأفتح لك القفص بهذا المسدس:

القرمزي يسيل. دم أم النار؟

غليوني يشتعل:

الأسود والأبيض يلونان الحياة بالرمادي. للرمادي احتمالات لا تنتهي: رمادي أحمر، رمادي أزرق، رمادي أخضر. التبغ يحترق والحياة تنسرب. للرماد طعم مر بالعادة نألفه، ثم ندمنه، كالحياة تماماً: كلما تقدم العمر بنا غدونا أكثر تعلقاً بها… لأجل ذلك أغادرها في أوج اشتعالي.. ولكن لماذا؟!إنه الإخفاق مرة أخرى. لن ينتهي البؤس أبداً…

وداعاً يا ثيو، سأغادر نحو الربيع.(كانت هذه آخر رسالة لفنسان قبل ان يطلق على النار على نفسه)

من رسالة لأخته فلهلمينا

ها قد أنتهيت من قماشة تمثل داخل مقهى ليلية مضاءة بالمصابيح. وفي الركن ينام بضعة متشردين ليليين مساكين. الصالة مطلية بالأحمر وفي الوسط تحت مصباح الغاز هناك طاولة بلياردو تلقي ظلاً كبيراً على الأرض. وفي هذه القماشة ستة أو سبعة تلاوين بالوردي، إبتداءاً بالأحمر القاني إلى غاية الوردي الرقيق، وكلها على الضد من الأخضر الغامق الشاحب.

أرسلت إلى ثيو اليوم تخطيطاً لهذه الصورة يبدو كأنه قماش (كريب) ياباني. يكتب ثيو إلى بأنه قد أهداك تحفة ياباني، وبالتأكيد أن هذا هو أفضل أسلوب لفهم الإتجاه الذي أختاره الآن التصوير الساطع الملىء بالآلوان.

لست بحاجة هنا إلى ما هو ياباني، فأنا أكرر دائماً على نفسي بأن اليابان هنا، وكل ما عليّ أن أفتح عيني وألون ما يثير الإنطباع.

هل رأيتِ في بيتنا ذلك القناع الصغير لأمرأة يابانية سمينة مبتسمة؟ إن هذا القناع الصغير يثير العجب بتعبيره. آمل أنكِ فكرت بالإحتفاظ بإحدى لوحاتي. كلي فضول أي ستختارين، بالتأكيد تلك الأكواخ الملونة بالأخضرار تحت سماء زرقاء والتي رسمتها في سان ماري على سان ماري على ساحل البحر المتوسط.

كان من المفروض أن اعود إلى سان ماري الان, فهناك أناس كثيرون على البلاج، لكن لدي هنا عمل كثير، والآن تدفعني الرغبة في تلوين السماء المرصعة بالنجوم.

غالباً ما يتراءى لي أن الليل أغنى من النهار بالألوان، بالبنفسجي والأزرق والأخضر الأشد تركيزاً، وإذا إنتبهت إلى ذلك فسترين أن هناك نجوماً بالأصفر الليموني وأخرى تضيء بالوردي والأزرق والأخضر والأزرق القاني بلون تلك الزهور الصغيرة، سوف لن أفكر أطول بهذا الأمر.

إذ يمكن بطريقة أكيدة تبيان أنه لتلوين السماء المرصعة بالنجوم، لايكفي وضع نقط بيض على الأسود المائل إلى الزرقة.

إن بيتي هنا مطلي من الخارج بلون الزبدة الأصفر وذو شبابيك بلون أخضر حاد، يقف هو في الساحة تحت الشمس الساطعة بحديقته المليئة بخضرة العرائش وأشجار الغار الوردية والسنط، أما داخل البيت فمطلي كله بالكلس، والأرضية من الطابوق الأحمر.

وفوق كل ذلك زرقة السماء العتيقة، وفيه يمكن أن أحيا و أتنفس و أفكر و أرسم، كما يبدو لو قدر لي الرحيل لتوجهت أبعد إلى الجنوب وليس العودة إلى الشمال، ولكي يجري دمي بصورة طبيعية أنا بحاجة إلى قيظ شديد، أنا هنا في حال أحسن مما لوكنت في باريس، ولا أشك بأنك ستحبين الجنوب أيضاً، فالشمس لم تتسرب إلينا أبداً نحن ناس في الشمال، مضت بضعة أيام منذ أن بدأت بكتابة هذه الرسالة، فقد منعني عن الكتابة العمل في لوحة جديدة بدأتها هذه الأيام.

إنها تصور مقهى ليلية من الخارج، على الشرفة توجد هيئات صغيرة لناس يشربون، ويضيء مصباح طريق أصفر ضخم، الشرفة والرصيف والحاجز ملقياً الضوء على بلاط الشارع الذي اكتسب لوناً قرمزياً وردياً، إن قمم البيوت في الشارع الممتد تحت سماء زرقاء مبذورة بالنجوم، هي باللون الأزرق الغامق القرمزي، وهناك أشجار خضراء أيضاً، هذه هي صورة الليل بدون سواد، بل الياقوت الأزرق الجميل والقرمزي والأخضر.

وفي هذا المشهد تكتسب الساحة المضاءة لوني الأصفر الكبريتي الشاحب مالأخضر الليموني، يسليني للغاية التلوين في الليل، ومن الطبيعة مباشرة، والحق أنني أخطئ في الظلام.

فالأزرق أحسبه أخضر أو القرمزي الأزرق وردي بلون الليلاك.

فأنا لا أستطيع تمييز نغمة اللون بدقة، إنها الطريقة الوحيدة للتخلص من ليلنا التقليدي ومن الضوء الأبيض الفقير المائل إلى الزرقة، ألا تعطينا الشمعة البسيطة أغنى صفرة وبرتقالي؟ عملت أيضا، كدراسة، صورة جديدة لي أظهر فيها كياباني.

لم تقولي لي هل قرأت (بيل آمي) جي دي موباسان، وعامة ما رأيك بم}لفاتها؟ أتذكر هذا الأمر فبداية المؤلف هي وصف الليل المرصع بالنجوم في باريس حيث المقاهي المضاءة في البوليفار، و انا لوّنت الموضوع نفسه الآن.. أنا أتحدث عن موباسان لأنني أعتبر ما كتبه جميلاً جداً و أوصيك بحرارة، قرءة كل ماكتبه، إذا أردنا التعرف الجيد على الرواية المعاصرة علينا قراءة إميل زولا والأخوين غونكور، و إذا أمكن قراءة جميع ماكتبوه.

الأخت العزيزة

يبدو لي أنه ينبغي تلوين الطبيعة من ناحية ثرائها وروعتها، كلنا نرغب في المرح والسعادة والأمل والحب، كلما أصبحتُ قبيحا متقدما في السن وسيئا ومريضا وفقيرا أرغب أشد في الثأر مانحا اللون المضاء المختار جيدا و الأكثر سطوعا، فقبل أن يتعلم الصاغة وضع الأحجار الكريمة يصبحون مسنين وقبيحين، ووضع الألوان في اللوحة شبيه بوضع الحلي أو إختيار الزي.

قراءة في التأسيس الأول للتمرد الفني الحديث

الاحتجاج الصامت

ريان الشيباني

احد أعمال الأمريكي بلوك

احد أعمال الأمريكي بلوك

ويتم إدارة هذه المنطلقات من كون الاحتجاج يتعلق بشيئين: أحدهما الثورة على الأشكال والخطوط المتعلقة بمفهوم الفن بمعناه المجرد، أو ما كان يسمى بالفن للفن، والآخر يحاول التمرد على شكل حياتي، هو في الأخير ردود أفعال انعكاسية لمكنونات تسوقها عوامل مختلفة بأفعال كالحروب، و تحالفات إيديولوجية تأخذ أحياناً أنماط قمعية.

إن الاحتجاج بمعناه المفني المجرد برز بقوة مع ظهور الفنان الفرنسي بول سيزان، و يسمي النقاد هذه المرحلة بمرحلة التحويلية الحديثة، فهندسة الأشكال حلت بدلاً من التنميق الواضح الذي أخذته الخطوط في مرحلة سابقة من تاريخ الفن، وخاصة الانطباعي، كما أن اللوحة برزت في عصر سيزان كنقد واضح للطبيعة  في مقابل التجسيد في أعمال من سبقوه كالفنان فان جوج مثلاً، ولهذا ظهرت الخطوط اللونية قاتمة ومكتنزة كسرت معها “تابوهات” الأبعاد والظلال وألقت بنظرية الرومانسية الفنية جانباً.. ودفع بول سيزان ثمنها غالياً.

منع الفنان من إقامة أي معرض تشكيلي له، وقاده فنه إلى التصادم مع أقرب المقربين إليه الروائي إميل زولا بعد إن جسده الأخير في إحدى رواياته على أنه الفنان اليائس والمحبط، والفاشل أيضاً، أعتزل بعده الفنان سيزان الحياة العامة، وكتب عدة مقالات هاجم فيها زملائه التأثيرين.

وكما قال عنه الناقد الفني المعروف «هربرت ريد» فإن سيزان يظل بنظر الحداثيين الرائد الحقيقي للفن الحديث، وذلك لرؤيته العالم موضوعاً عقلياً فقط بلا أي غموض سواءً كان منظراً طبيعياً أم تفاحة أم إنسانا دون أي تدخل في العقل المهذب أو الانفعال الأهوج.

وكانت المدرسة الانطباعية التي قام على هدم مبادئها الفنان بول سيزان قد جنحت هي الأخرى إلى الحواس الخارجية ودورها، لتلخيص مشاهد الطبيعة،و تم رفض الوجه الفكري في فلسفة الرؤية لخلق نمط لوني انطباعي، يقول الكاتب موريس سيرولا: إن الانطباعيين استبعدوا حدود الشكل وإبعاد الحجم، ولم تعد رئاية المنظور عندهم مستندة إلى قواعد هندسية، وإنما تحقيقها يتم من مقدمة اللوحة حتى خط الأفق البعيد فيها.

لاعب الورق لسيزان

ويعزى الفضل الكبير لسيزان في كونه الوحيد الذي تجرأ على الانتقال بالفن التشكيلي، أما مرحلة ما بعد سيزان فلم تكن صدامية بالشكل التحولي المعروف، وإنما أصبحت كل مدرسة بمثابة امتداد لمدارس أخرى، ومن هنا نشأت التكعيبية ثم التجريدية.

فالتجريدية أكملت الوجه الحداثي الذي ابتدأه التكعيبيون بإحالة الموضوع إلى أبعاد مختلفة ـ بالرغم من وجود مسلك لا ينتمي للتكعيبية كامتداد ـ بعدما كان مركوناً لبعد ثالث متمثل بالعمق وأصبحت اللوحة التشكيلية تنتمي إلى بعد بصري أكمل من المركز ناتج عن تفاعلات اللون بفعل صدامي مع التقليد، وكذلك مع الصورة النمطية التي تخلق الفن لصالح النفعية الحياتية، ومن هنا كانت الصورة الصادقة لمحاكاة الفطرة والحدس.

أما الإشتغالات الحديثة فتنظر كثيراً في الخامة اللونية وإدخال وسائط الكولاج وثيمات أخرى كقصاقات الورق، أو يأخذ الاحتجاج على الأشكال الرتيبة صيغ أخرى، وهذه الصيغ تتمركز حول طريقة عرض اللوحات والإضاءة وأماكن العرض، وتعتبر بمجملها من الأساليب الاحتجاجية الحياتية.

ومن التجارب الفردية الوحيدة يمكن أن نقول بأن تجربة الفنان الأمريكي الأصل جاكسون بلوك هي الأكثر صدقية في الثورية الناتجة لصالح الفن وأغراضه، فهذا الفنان يختصر الطريق إلى اللوحة فلا يبدأ من مسودات أو نقاط انطلاق أو تخطيطات مسبقة، فهو يعتبر بأن اللوحة تولد مباشرة، وكما يقول فهو لا يريد أن يرسم، بقدر مايريد أن يعبر ان، وعندما يرسم تتكون لديه انطباعات عما يمكن أن يفعل، وهكذا يستطيع ان يسيطر على تدفق اللوحة، فليس ثمة مصادفة،  وإنما يبدو الأمر كما لو انه ليس هناك بداية أو نهاية.

وفي فترة سابقة كنت قد كتبت بأن  الفنان الأمريكي جاكسون بولوك، النمو الطبيعي للحاجة وتطورها، والبيان الأول للحركة والجدل، عندما تكون أمام أحد أعماله لابد وأن تكون يقظاً.

مبنى مدرسة باوهاوس

قادت الشياطين حياة هذا الفنان إلى الموت بعدد مرارة الإدمان، وقبلها كان قد كتب عنه ساندي بعد أن غادره:”إنه في حالة صعبة من التعقيد النفسي، رسوماته معقدة، وجودتها غريبة”، ولذا ظهرت أعماله  ذات طابع ديناميكي بالغ، هجر معها الرسم التكعيبي والسريالي  وأستخدم زيت طلاء السفن في محاولة لكسر التقليد، و أسلوب الصب والتقطير لتحقيق آثاره الفنية التلقائية. وهو الفنان الوحيد الذي انقلب على الريشة لصالح العصا في الرسم بمترادفات فيزيائية جميلة ، ويعتبر بلوك هذا النمط من الفن عملية جمالية قادها ضد نفسه، تحول عنده المزاج من التركيز الخالص للشكل إلى التخلي عن الألوان في سلسلة من الأعمال الصارخة السوداء ، ولاقى الكثير من المعجبين، “سأعمل منطلقاً من الوعي”، و وأوضح أيضاً”لابد أن تظهر الأرقام”.

في الجانب الآخر، نشأ أسلوب الاحتجاج في الفن كواقع معاش، واتسم هذا القسم من الاحتجاج بالموسساتية، حيث نشأت مدرستين يحسب لهما الكثير في تاريخ الفن، كانت المدرسة الأولى هي باوهاوس، ورغم أن هذه المدرسة نشأت قبل الحرب العالمية الثانية إلا أن طابعها الكوني أدى إلى إقفالها على يد الزعيم النازي أدولف هتلر، والطريف أن الذي أنشأ هذه المدرسة هو المهندس المعماري الاشتراكي فالتر غروبيوس، وكما قال فإن الغرض من إنشاء هذه المدرسة هو كسر حاجز العجرفة القائم بين الفنانين والحرفيين.

واستطاعت المدرسة أن تردم الهوة بين الجانب الحرفي والفني، فتم إنشاء تصاميم غاية في الروعة بالاعتماد على فن الجرافييك، إن ما يحسب لمدرسة باوهاوس هو تهيئة المناخ بين الحرفيين والفنانين لخلق جو من المحادثة والتقابل، اشترك فيها الحرفي والمصنع والفنان مع المصمم، وأنتجت أعمال فنية جديدة، اعتمدت في كثير من نتاجاتها على الشكل ومزجت التكعيبي بالتجريد، والدائري بالتكوينات اللونية المختلفة، كما استخدم الفنانون في هذه المدرسة الألوان الفطرية غير المعدلة لصناعة واقعهم الحياتي الذي لا يعرف المخاتلة.

وبعد الحرب العالمية الثانية عبثت الآلة بكل مقدرات الحياة، وفي أعقاب الصدمة أطلت برأسها حركة «الدادا» العالمية «ولم يكن هدف أصحابها إلا عرض السخف في عالم ضاعت فيه المعاني» وتحمل في طياتها من العدمية ما يجعلها تعارض نفسها وما قاله تريستان تزارا أبلغ دليل على ذلك «الداودي الحقيقي يجب أن يكون ضد الدادا».

وأبلغ تعبير احتجاجي قاله منظر هذه الحركة تريستيان تزارا خطابه الشهير:

أحد اعمال جماعة باوهاوس

إن دادا تشق طريقها وهي ماضية لا في التوسع بل من أجل تخريب ذاتها وهي لا تبغي أن تتوصل إلى نتيجة أو تكسب مجداً أو فائدة عبر جميع إرهاصاتها المقرفة فقد كفت نهائيا عن الكفاح لأنها تدرك أن ذلك لا يخدم غرضاً ما، دادا كانت حالتنا الذهنية الساخرة وكانت للرافضين من أمثالنا نقطة الارتكاز التي تلتقي عند نعم وعند لا، وتحتوي كل المتناقضات السائدة ولأن دادا كانت لا تؤمن بشيء فقد انتهت وانتهت لأنها لم تؤمن حتى بمبادئها.

في الأخير تبقى هناك الكثير من الحركات الاحتجاجية القائمة، والتأسيس لها يتطلب وقت، أي أن قراءة الأشياء لابد ان تنطلق من إطار تاريخي، على أعتبار أن الإنجاز الحقيقي يكمن في الجديد، وهذا الجديد لابد من مقارنته بالأضداد القائم على تهميشها، ومن الصعوبة بمكان التنبؤ بهذا في وقت قياسي.

هناك الكثير من الحركات الاحتجاجية الفنية في الوطن العربي، ولكنها لا ترقى إلى الدرجة التي يمكن ان يقول عنها المرء انها تحولية، بسبب إشتغالات عدة، فرضتها روح الاستعمار والهيمنة، وكذلك سلطة الإيديولوجيات التي ألقت بظلالها على التجارب الفنية، وهذا لا يعني أن الفنانين العرب لم يقوموا بمحاولات تحديثية بقدر ما يدعو إلى المزيد للخروج من قمقم التقليد.

صورتان، وفنان من العهد البرجوازي الهولندي

ريان الشيباني

إنه من المجازفة بمكان أن أحاول استقراء ثلاث صور مختلفة لثلاثة من المؤلفين العالميين وفي فترات متباعدة، وتتمثل هذه الصور أشكال مختلفة من التعبير و باتجاهات كذلك مختلفة، وهي مسرحية صورة للمؤلف البوليني سيلافومير مروجيك، وكتاب عصر الصورة للمؤلف العربي الدكتور شاكر عبد الحميد و الفنان التشكيلي العالمي (فرنس هالس) والذي كانت اهتماماته بـ البورتريه كبيرة عوضاً عن كونه فنان تشكيلي يعيش مع الصور و لهذا سأحاول قدر المستطاع فقط أن أظهر الجزء البصري من هذه المؤلفات.

تمتد كلمة صورة Image بجذورها إلى الكلمة اليونانية القديمة أيقونة Icon ، والتي تشير إلى التشابه و المحاكاة، و التي ترجمت إلى Image في الإنجليزية، ولقد لعبت هذه الكلمة و دلالاتها دوراً مهماً في فلسفة أفلاطون، وكذلك في تأسيس كثير من أنظمة التمثيل أو التمثل للأفكار و النشاطات في الغرب(1).

(نعم، عزلة صغيرة مع صورة كبيرة على الجدار. بدا لي انه الذي كان قائد العالم كله، و سوف تربطني بهذا العالم. و بدا لي أنني، و انا أنظر إلى صورته، أرى العالم الحي. من البدهي أنه وهم، فقد كان مجرد صورة.

عزلة تفصل المستقبل عن الماضي. لقد فعلت شيئا ما، في وقت ما، ولكن بين وقت ما، واليوم لا توجد صلة الآن. ولو انتقمت مني، لما فعلته في وقت ما، لنشأت مسافة بين وقت ما والآن. و لاتحد وقت ما مع الآن. بعبارة أخرى، لاتوجد عواقب من دون مقدمات، وبما أنه لا توجد نهاية فهذا يعني أنه لم تكن هناك بداية. وعلى العموم لم يكن هناك شيء أبدأ و لاشيء كائنا أتفهم؟(2))

هذا نص سيناريو في مسرحية صورة للمؤلف البوليني سيلافومومير مرجيك و الذي بحسب مقدمة الكتاب ينتمي إلى الإنتلجنسيا البولونية، يظهر بارتودجي و في إحدى يدية حقيبة وفي اليد الأخرى مظلة، و يقف وظهره إلى المشاهدين، ثم ينظر إلى صورة معلقة عالياً و جبهوية، إنها صورة جوزيف ستالين.

و في مزاج مساء عائلي هادئ وصاخب أحياناً تدور فصول المسرحية، و تشخص في مفهومهما الوهم الناتج عن مسألة انتظار المخلص، و انعكاسات سياسة العصر الدموي للإستالينية.

و بالرغم من أن الطابع العبثي طاغ بشكل كبير على مجريات الأحداث إلا أن شبح الضمير المؤنب والموبخ ينتصب بين أجزاء المسرحية بشحمه ولحمه، و بدراماتيكية عالية يأخذ أبعاد شتى إلى أن يصير لصيق دائم لـ بارتودجي الذي فيما يبدو أنه (الضحية/البطل) في المسرحية.

في المشهد الثالث من المسرحية يجلس بارتودجي يسجل شهادته أمام طبيبة نفسية و التي تبدأ بمواجهته بمجموعة من الصور فتميط اللثام عن شخصية أناتول التي تظل ترافقه كحالة تأنيب ضمير مستعصية، و إذا لم نخطئ فقد كان توبيخ ضمير سياسي.. الضمير السياسي حسب تعبير أناتول.

و لهذا يكبر هذا الوهم (الضمير) مع صاحبة و يأخذ أشكال شخصية مختلفة حتى يصبح له منزل وزوجة، و يصبح ودودا وعنيفاً و يحتسي المشروب في كثير من الأحيان.

يقول مقدم المسرحية نديم معلا: بأن موضوعة السلطة المستبدة لا تنثني تطل برأسها في مسرحيات مروجيك كلها، و إن تفاوتت ألوانها وتجلياتها.

و نادرا ما تمر مسرحية من مسرحياته، إلا وفيها علامة أو إشارة إلى ستالين والدولة السوفيتية، فهو يرصد ظلال و آثار التجربة برمتها، وما ألقته على بولونيا من ظلال.

و في الخيط الرفيع بين العبث و الواقع يسجل المؤلف حالات من العطالة الشعورية والذهنية، و يختفي الزمن بينما نراه بشكل ضمني في الإطار الكامل للعمل المسرحي.

في عصر الصورة للكاتب العربي الدكتور شاكر عبد الحميد، يرى بأن الروح لا تفكر أبداً من دون الصور، وهي وجهة نظر مثالية أخذها على عاتقه الفيلسوف أرسطو، و يستعرض الدكتور في جزء من كتابه مسيرة الصورة في الفن التشكيلي، وإن كان الكتاب طابعه عمومي إلا انه أستطاع أن يلم كثيراً في جزء من تحولات الصورة حتى في العصر القديم و منها عند الإغريق و المصريون القدامى والذين صوروا الجسم الإنساني بطرائق مختلفة، والذي معه قام الفن المصري بموائمة ذاته مع المعلومات المتوفرة في وقته، حول الحملات الحربية والاحتفالات.

و بحسب الكتاب فإن الفنانين المصريين كانوا يعرفون أقل حول الجسم الإنساني مقارنة بالفنانين الإغريق، أو أن التكنيك الموجود لديهم أقل تطورا؛ و إنما كل الأمر أن هاتين الثقافتين قد طورتا أسلوبا فنيا شديد التهذيب، بحيث يكون مسايرا تماما للمطالب الثقافية و الحضارية التي كان عليه أن يؤديها.

كما ان هناك استعراض لاتجاهات الصورة الأربعة بدأ بالكلاسيكية وانتهاء بالواقعية، ومن ثم تأريخ المنظور و أثر التطورات العلمية في تشكل الصورة ورصد كامل لردود الأفعال الحساسة المضادة في تشكل الصورة.

في الصورة الثالثة، يظهر الفنان الهولندي فرنس هالس، أشتهر هذا الفنان برسم البورتريه  للأشخاص على مختلف طبقاتهم، كان الفنان في جزء من حياته عنيفاً و عرف كثيراً عن طريق سجلات الشرطة التي قبضت عليه بتهم منها ضرب زوجته ضرباً مبرحاً، ماتت زوجته (آنك) بعد ذلك بأشهر قليلة.

تزوج بعد خمسة أشهر من زوجته الثانية، فرانس، و انجبت له الكثير من الأولاد، ورغم غملاقه و عوزه و سكره وعربدته، جذب الإنتباه إليه صورة رسمها له مع زوجته الثانية.

من روائع هذا الفنان، بائع السردين، و التي أعتبرها النقاد تاريخ يتمثل في وجه، و الفارس الضاحك و فيها يجسد الفنان ثقة الإنسان بنفسه، (رسم فزانس صورته الشخصية وجه قوي مليح ، وعينان حزينتان تنكران زهو الملابس الجميلة والذراعين المطويين. لقد كان الرجل منهوكاً تتقاذفه اللهفة على الإتقان والكمال، والظمأ إلى الخمر.)

صنفت اعمال هالس على مجموعتين، دولين الأولى و الثانية، و يعني لفظ دولين، مقر التطوعين الذيم مارسوا الرماية و أقاموا المباريات وعقدوا الندوات الاجتماعية.

في مجموعة دولين الثانية أشتهرت له لوحة السكير المرح وهي لرجل يضع قبعته على رأسه تكفي لتغطية رؤوس حشد من السكارى.

مات الفنان هالس 1666 و حظي بإحتفال مهيب بالرغم من العثرات الكثيرة التي شابت حياته، (ويحتمل أنه رغبة في منحه مزيداً من الصدقات، كلف في هذا العام (1664) برسم لوحتين: “مديروا ملجأ الفقراء” و”مديرات ملجأ الفقراء”. ويظهر في لوحة الرجال أثر اليد المضطربة للفنان في سن الرابعة والثمانين، فإن معظم التقاطيع والملامح فيها ملطخة بشكل غامض، على نقيض اللوحة الأخرى التي تمثيل النساء، فإنه مما يثير الدهشة أن المهارة القديمة عادت سيرتها الأولى:

فهنا خمس أنفس ارتسمت على خمسة وجوه ممتثلة مذعنة، لخمس نساء عجائز أرهقتهن الأعمال غير العادية، عابسات متجهمات متزمتات، كما يقتضي نظامهن البيوريتاني، وقد نسين مرح الشباب وبهجته. ومع ذلك، يتألق بشكل ما في هذه التقاطيع الكالحة عطف هادئ ومشاركة وجدانية حزينة. وهاتان الصورتان الأخيرتان هما آخر لمسات جرت بها يد الفنان أو ومضات لمعت في فنه، وهما الآن، إلى جانب لوحات مجموعات “الدولين”، موجودتان في متحف فرانس هالس الذي شادته مدينة هارلم في مكان ملجأ الفقراء.(3)).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) عصر الصورة، د.شاكر عبد الحميد، يناير2005، ط1، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت.

(2) الصورة، سيلافومير مروجيك، أغسطس2006، ط1، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت.

(3) سيرة الفنان، موسوعة المعرفة الإلكترونية.

 

الفن القبطي حيث يمتزج التاريخ بالحضارة

ريان الشيباني

من الإيقونات القبطية

يعتبر الفن القبطي من الفنون الحضارية القديمة، ويرتبط هذا الفن بالإيديولوجية المسيحية التي جيرته لصالح سلطات الكنيسة الشرقية، وقد أقتبس هذا الفن موضوعاته من الفن الإغريقي القديم، ويعتبره البعض فرع لا يتجزأ من الفن البيزنطي،والأساطير الإغريقية، (مثل الآلهة أو بعض الموضوعات المتعلقة بالعبادات، فنجد أفروديت ربة الحب والجمال لها نصيب كبير من هذه المناظر، فكانت عادة تصور بصحبة دولفين و الإله ايروس، وأحياناً مع صدفة بحرية في إشارة إلى مولدها من البحر عند جزيرة قبرص، أما الحوريات فقد صورن سابحات أو ممتطيات الدولفين، و في العصر القبطي، شاع تصوير إيزيس في الأعمال الفنية العاجية وهى ترضع ولدها حورس (حاربوقراط) مشابهة في هذه الهيئة لأيقونة مريم العذراء وهى ترضع السيد المسيح.) كما أكتسب هذا الفن ألقه من البرجماتية الحياتية المصاحبة له، سواء المتعلقة بالعبادة كالإيقونات وهوامش الكتب أو المتعلقة بزخرفة الأواني المعدنية والنحاسية وكذا الفخارية، وهذا يحدو  بنا إلى القول أن الفن القبطي فن شعبي بامتياز.

كما لا نستطيع أن ننكر تأثر الكنيسة القبطية بالفن الفرعوني، إلم نقل انه امتداد له مع الأخذ بشمولية وتعدد الأول، ويقال أن لوقا هو أول من رسم أيقونة فنية يرجع إليها بداية الفن القبطي في الظهور، حيث جسد فيه المسيح الطفل في حضن أمه العذراء، وفي فترة سوداء من تاريخ الكنيسة، سلبت الإيقونات من على صدور الكنائس وتم رميها في مخازن خاصة بالكنيسة إلى أن تم استعادتها و بات تزين من جديد واجهات الكنائس الشرقية (خاصة منها المصرية).

وكثيرا ما تأخذ الرموز الأشكال معاني فلسفية تقرأ بحسب ورودها في الكتب المقدسة المسيحية، كالخروف الصغير، والحمام والطاووس، فمثلاً يمز الخروف الصغير إلى المسيح ولذا يرسم بهيئة توحي بالرقة والجمال والرشاقة.

وحين ننظر إجمالاً إلى الفن القبطي فهي يمتاز بالبساطة وبالبناء الهندسي غير المعقد، وغالباً ما تدخل في بناءه المنمنمات، كما يدخل في بناءه العاج، ويستخرج من عاج فرس النهر، لتزيين وزخرفة أدوات الزينة وأدوات أخرى تدخل في الإستخدام المنزلي، وكانت غالباً ما تلون بألوان مختلفة مثل الأحمر الداكن والوردى الفاتح.

ويرجع تقليد نحت العاج وإستخدامه فى التطعيم إلى مصر القديمة، ومع ذلك فان معظم القطع العاجية الموجودة فى متحف مكتبة الأسكندرية يرجع تاريخها الى القرن الثانى الميلادى. هذا وقد استمر إنتاج المشغولات العاجية خلال العصر الاسلامى، حيث طعمت أعمال الأرابيسك الخشبية الفنية بقطع عاجية صغيرة.

الفن القبطي إمتداد للفن البيزنطي

(وفيما يختص بالمناظر المنقوشة فإن معظمها كان مأخوذاً من الأساطير الأغريقية، مثل الآلهة أو بعض الموضوعات المتعلقة بالعبادات الإغريقية والمصرية. فنجد أفروديت ربة الحب والجمال لها نصيب كبير من هذه المناظر، فكانت عادة تصور بصحبة دولفين والاله ايروس، وأحياناً مع صدفة بحرية فى إشارة الى مولدها من البحر عند جزيرة قبرص. أما الحوريات فقد صورن سابحات أو ممتطيات الدولفين، وفى العصر القبطى، شاع تصوير إيزيس فى الأعمال الفنية العاجية وهى ترضع ولدها حورس(حاربوقراط) مشابهة فى هذه الهيئة لأيقونة مريم العذراء وهى ترضع السيد المسيح.)

Hello world!

Welcome to WordPress.com. This is your first post. Edit or delete it and start blogging!